فصل: ومن باب في عدة الحامل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من هو أحق بالولد:

قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد، عَن أبي عمرو، يَعني الأوزاعي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو «أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقان لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي».
قال الشيخ: الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء، والحواء أيضًا أخبية تضرب ويدانى بينها يقال هذا حواء واحدة، ومعنى هذا الكلام معنى الإدلاء بزيادة الحرمة وذلك أنها شاركت الأب في الولادة ثم استبدت بهذه الأمر خصوصًا وهى معاني الحضانة من حيث لا شركة للأب فيها فاستحقت التقدم عند المنازعة في أمر الولد.
ولم يختلفوا أن الأم أحق بالولد الطفل من الأب ما لم تتزوج فإذا تزوجت فلا حق لها في حضانة، فإن كانت لها أم فأمها تقوم مقامها ثم الجدات من قبل الأم أحق به ما بقيت منهن واحدة.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق وأبو عاصم عن ابن جريج أخبرني زياد عن هدل بن أسامة أن أبا ميمونة سلمى مولى من أهل المدينة رجل صدق قال: «بينما أنا جالس مع أبي هريرة جاءته امرأة فارسية معها ابن لها فادعياه وقد طلقها زوجها، فقالت يا أبا هريرة ورطنت بالفارسية زوجي يريد أن يذهب بابني فقال أبو هريرة استهما عليه ورطن لها بذلك فجاء زوجها فقال من يحاقني في ولدي فقال أبو هريرة اللهم إني لا أقول هذا إلاّ أني سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به».
قال الشيخ: وهذا في الغلام الذي قد عقل واستغنى عن الحضانة فإذا كان كذلك خير بين أبويه.
واختلف فيه فقال الشافعي إذا صار ابن سبع أو ثماني سنين خير، وقال أحمد يخير إذا كبر. وقال أهل الرأي والثوري الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحده والجارية حتى تحيضي ثم الأب أحق الوالدين.
وقال مالك الأم أحق بالجواري وإن حضن حتى ينكحن والغلمان فهي أحق بهم حتى يحتلموا.
ويشبه أن يكون من ترك التخيير وصار إلى أن الأب أحق به إذا استغنى عن الحضانة إنما ذهب إلى أن الأم إنما حظها الحضانة لأنها أرفق به فإذا جاوز الولد حق المحضانة فإنه إلى الأب أحوج للمعاش والأدب، والأب أبصر بأسبابهما وأوفى له من الأم ولو ترك الصبي واختياره مال إلى البطالة.

.ومن باب في نفقة المبتوتة:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس «أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال إن تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك وإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا واغتبطت».
قال الشيخ: معنى البتة هنا الطلاق وقد روي أنها كانت آخر تطليقة بقيت لها من الثلاث. وفيه دليل أن المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، واختلف فيها فقالت طائفة لا نفقة لها ولا سكنى إلاّ أن تكون حاملًا وروي ذلك عن ابن عباس وأحمد وروي عن فاطمة أنها قالت: «لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة».
وقالت طائفة لها السكنى والنفقة حاملًا كانت أو غير حامل. وقاله عمر وسفيان وأهل الرأي.
وقالت طائفة لها السكنى ولا نفقة قاله مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وابن المسيب والحسن وعطاء والشعبي، واحتجوا بقوله: {أسكنوهن} الآية فأوجب السكنى عامًا، وأن نقل النبي صلى الله عليه وسلم إياها من بيت أحمائها إلى بيت ابن أم مكتوم فليس فيه إبطال السكنى بل فيه إثباته وإنما هو اختيار لموضع السكنى.
واختلف في سبب ذلك فقالت عائشة كانت فاطمة في مكان وحش فخيف عليها فرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتقال.
وقال ابن المسيب إنما نقلت عن بيت حمائها لطول لسانها وهو معنى قوله: {ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة} [الطلاق: 1] الآية وقد بيناه.

.ومن باب المبتوتة تخرج بالنهار:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال: «طلقت خالتي ثلاثًا فخرجت تجّد نخلًا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال لها: اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا».
قال الشيخ: وجه استدلال أبي داود منه في أن للمعتدة من الطلاق أن تخرج بالنهار هو أن النخل لا يجد عادة إلاّ نهارًا، وقد نهي عن جداد الليل ونخل الأنصار قريب من دورهم فهي إذا خرجت بكرة للجداد رجعت إلى بيتها للمبيت. وهذا في المعتدة من التطليقات الثلاث.
فأما الرجعية فإنها لا تخرج ليلًا ولا نهارًا.
وقال أبو حنيفة لا تخرج المبتوتة ليلًا ولا نهارًا كالرجعية. وقال الشافعي تخرج نهارًا لا ليلًا على ظاهر الحديث.

.ومن باب إحداد المتوفى عنها:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد عن نافع عن زينب بنت أبي سلمة، قالت سمعت أمي أم سلمة تقول: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالنعرة على رأس الحول، قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالنعرة على رأس الحول، فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حشًا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبًا ولا شيئًا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره».
قال الشيح: قال القعنبي تفتض هو من فضضت الشيء إذا كسرته أو فرقته ومنه فض خاتم الكتاب و{لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] أي تكسر ما كانت فيه من العدة وتخرج منه بالدابة. والحش البيت الصغير، ومعنى رميها بالبعرة أي كأنها تقول كان جلوسها بالبيت وحبسها نفسها سنة كالرمية بالبعير في جنب ما كان يجب في حق الزوج.

.ومن باب في المتوفى عنها تنتقل:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عميرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها «أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قالت فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي قالت فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به».
قال الشيخ: فيه أن للمتوفى عنها زوجها السكنى وأنها لا تعتد إلاّ في بيت زوجها. وقال أبو حنيفة لها السكنى ولا تبيت إلاّ في بيتها وتخرج نهارًا إذا شاءت. وبه قال مالك والثوري والشافعي وأحمد وقال محمد (ابن الحسن) المتوفى عنها لا تخرج في العدة. وعن عطاء وجابر والحسن وعلي وابن عباس وعائشة تعتد حيث شاءت.
وفي قوله: «لا حتى يبلغ الكتاب أجله» بعد إذنه لها في الانتقال دليل على جواز وقوع نسخ النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفعل.

.ومن باب ما تجتنب المعتدة:

قال أبو داود: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني هشام بن حسان (ح) وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله، يَعني ابن أبي بكر السهمي عن هشام وهذا لفظ ابن الجراح عن حفصة عن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحد المرأة فوق ثلاث إلاّ على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلاّ ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلاّ أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها نبيذة من قسط أو أظفار قال يعقوب مكان عصب إلاّ مغسولًا وزاد يعقوب ولا تختضب».
قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا المشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل».
العصب من الثياب ما عصب غزله فصبغ قبل أن ينسج كالبرود والحبر ونحوه والممشق ما صبغ بالمنشق وهو يشبه المغرة. وقوله: «بنبذة من قسط» يريد اليسير منه والنبيذ القليل من الشيء والنبيذة تصغيره وظهور الهاء فيه لأنه نوى بها القطعة منه.
واختلف فيما تجتنبه المحد من الثياب فقال الشافعي كل صبغ كانت زينة أو وشي كان لزينة في ثوب أو يلمع كان من العصب والحبرة فلا تلبسه الحاد غليظًا كان أو رقيقًا.
وقال مالك لا تلبس مصبوغًا بعصفر أو ورس أو زعفران.
قال الشيخ ويشبه أن لا يكره على مذهبهم لبس العصب والحبر ونحوه وهو أشبه بالحديث من قول من منع منه.
وقالوا لا تلبس شيئا من الحلي وقال مالك لا خاتمًا ولا حلة. والخضاب مكروه في قول الأكثر.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها «أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء قال أحمد الصواب بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحلي به إلاّ من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار ثم قالت عند ذلك أم سلمة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرًا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب قال أنه يشب الوجه فلا تجعليه إلاّ بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت قلت بأي شيء أمتشط يا رسول الله قال: بالسدر تغلفين به رأسك».
قال الشيخ: كحل الجلاء هو الإثمد لجلوه البصر ومعنى يشب الوجه أي يوقد اللون وأصله من نشبت النار أنشبها إذا أوقدتها. واختلف في الكحل فقال الشافعي كل كحل كان زينة لا خير فيه كالإثمد ونحوه مما يحسن موقعه في عينها، فأما الكحل الفارسي ونحوه إذا احتاجت إليه فلا بأس إذ ليس فيه زينة بل يزيد العين مَرَهًا وقبحًا.
ورخص في الكحل عند الضرورة أهل الرأي ومالك بالكحل الأسود ونحوه عن عطاء والنخعي.

.ومن باب في عدة الحامل:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته فكتب عمر بن عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة أخبرته «أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرًا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعالت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها مالي أراك متجملة لعلك ترتجين النكاح إنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي».
قال الشيخ: تعالت من نفاسها أي طهرت من دمها واختلف العلماء فيه فقال علي وابن عباس تنتظر المتوفى عنها آخر الأجلين، ومعناه أن تمكث حتى تضع حملها فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرًا فقد حلت وإن وضعت قبل ذلك تربصت إلى أن تستوفي المدة.
وقال عامة العلماء انقضاء عدتها من ضع الحمل طالت المدة أو قصرت، وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ومالك والأوزاعي والثوري وأهل الرأي والشافعي.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قال عثمان حدثنا وقال ابن العلاء أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله، قال من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر وعشر.
قال الشيخ: يريد سورة الطلاق إذ إن نزول هذه السورة كان بعد نزول البقرة فقال في الطلاق: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملن} [الطلاق: 4] وفي البقرة: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] الآية فظاهر كلامه يدل على أنه حمله على النسخ فذهب إلى أن ما في سورة الطلاق ناسخ لما في سورة البقرة، وعامة العلماء لا يحملونه على النسخ بل يرتبون إحدى الآيتين على الأخرى فيجعلون التي في سورة البقرة في عدد الحوابل وهذه في الحوامل.